علم النفس الفردي: الشعور بالنقص والتعويض

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 


يُعد الشعور بالنقص والتعويض من أهم المفاهيم في علم النفس الفردي الذي أسسه ألفريد أدلر. حيث يرى أدلر أن كل فرد يعاني في مرحلة ما من حياته من شعور بالنقص، سواء كان ذلك نقصًا جسديًا أو اجتماعيًا أو نفسيًا، ويكون هذا الشعور دافعًا رئيسيًا نحو التحسين والتطور. لكن كيف يمكن تحويل هذا الشعور إلى دافع إيجابي يعزز من النمو الشخصي؟ في هذه المحاضرة، سنناقش مفهوم الشعور بالنقص، أسبابه، وآلية التعويض، وكذلك التطرق إلى أمثلة على التعويض الناجح والفاشل.

مفهوم الشعور بالنقص وأسبابه:

الشعور بالنقص هو الإحساس بعدم الكفاية أو العجز عن مواجهة تحديات الحياة. يظهر هذا الشعور في أشكال مختلفة، مثل نقص الثقة بالنفس أو الشعور بالعجز الجسدي أو حتى القصور في الأداء الاجتماعي. يعتقد أدلر أن هذا الشعور هو جزء طبيعي من التطور النفسي، وهو يحدث عندما يدرك الفرد فجوة بين ما هو عليه وما يريد أن يكون عليه. لكن، ما الذي يسبب هذا الشعور؟
الشعور بالنقص يمكن أن يكون نتيجة عدة عوامل، أبرزها:

• الظروف الاجتماعية والاقتصادية: فقد يشعر الفرد بالعجز نتيجة الفقر أو قلة الفرص.

• التجارب الطفولية: على سبيل المثال، إذا نشأ الطفل في بيئة لا تدعمه أو لا تعزز ثقته بنفسه.

• العوامل الجسدية: إذا كان الفرد يعاني من مشكلة جسدية أو مظهر خارجي يسبب له الإحراج، فقد يؤدي ذلك إلى الشعور بالنقص.

رغم أن الشعور بالنقص قد يكون سلبيًا في البداية، إلا أن أدلر يرى أنه يمثل المحرك الأساسي للتطور والتقدم.

كيفية تحويل الشعور بالنقص إلى دافع للتعويض:

التعويض هو عملية نفسية يعوض من خلالها الفرد شعوره بالنقص عن طريق السعي لتحقيق التفوق أو النجاح في مجالات أخرى من الحياة. يرى أدلر أن هذا التوجه نحو التعويض يمكن أن يكون أحد العوامل المحفزة للتغيير والنمو.
على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يعاني من شعور بالنقص بسبب ضعف في قدراته الأكاديمية، فقد يسعى لتعويض ذلك من خلال التفوق في الرياضة أو المجال المهني. من خلال هذا السعي المستمر للتفوق، يصبح الشخص أكثر قدرة على تجاوز العوائق التي كانت تحد من تقدمه.

التعويض يمكن أن يكون له آثار إيجابية إذا تمت إدارته بشكل صحيح، لكنه في بعض الحالات قد يتحول إلى مظهر من مظاهر الهروب من المشكلة الأساسية. فمثلاً، قد يحاول شخص يعاني من نقص اجتماعي أن يعوض عن ذلك بالتفاخر أو التصرف بشكل عدواني، مما يخلق علاقات غير صحية.

أمثلة على التعويض الناجح والفاشل:

• التعويض الناجح:

شخص يعاني من قلة الثقة بالنفس، لكنه بدأ يشارك في الأنشطة الاجتماعية ويطور مهارات التواصل، ما أدى إلى تحسين علاقاته الشخصية وتقديره لذاته. في هذه الحالة، تم تحويل الشعور بالنقص إلى دافع للتطور الشخصي وبناء الثقة.

• التعويض الفاشل:

شخص يعاني من ضعف جسدي ويشعر بالنقص بسبب ذلك، فيسعى لتعويض ذلك بالتفاخر المبالغ فيه والحديث عن إنجازات وهمية أمام الآخرين. هذا النوع من التعويض يؤدي إلى عزل الشخص عن المجتمع ويعزز شعوره بالانعزال.

التعويض والإبداع

من بين النتائج الإيجابية للتعويض هو الإبداع. فالشعور بالنقص قد يدفع الفرد للتفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول مبتكرة لتجاوز مشكلاته. قد يكون هذا هو السبب وراء تفوق العديد من الشخصيات التاريخية الذين تغلبوا على صعوباتهم الجسدية أو الاجتماعية بطرق مبدعة.

الخاتمة:

الشعور بالنقص هو جزء من التجربة الإنسانية، ولا يمكن إنكاره في مسيرة النمو الشخصي. ومع ذلك، فإن كيفية التعامل مع هذا الشعور هي ما يحدد مسار الشخص في حياته. يمكن أن يكون التعويض آلية قوية للتحول والنمو إذا تم توجيهها بشكل إيجابي، لكنه قد يكون ضارًا إذا تحول إلى محاولة للهروب من الواقع أو التفوق على الآخرين بشكل غير صحي. لذلك، يجب على كل فرد أن يسعى لتحقيق توازن بين الاعتراف بنقصه والعمل على تعويضه بشكل يساهم في تحسين حياته الشخصية والاجتماعية.

المصادر:

• "ممارسة ونظرية علم النفس الفردي" لألفريد أدلر


• "ماذا تعني لك الحياة" لألفريد أدلر


• "علم النفس الفردي لألفريد أدلر" لهاينز ل. أنسباخر


• "علم نفس سوء التقدير البشري" لألفريد أدلر

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم