علم النفس الفردي: الشعور بالانتماء والمصلحة الاجتماعية

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 


تعتبر المصلحة الاجتماعية والشعور بالانتماء من المفاهيم الجوهرية في علم النفس الفردي الذي أسسه ألفريد أدلر. يؤمن أدلر بأن الفرد لا يمكن أن يعيش بشكل سليم إلا إذا كان يشعر بأنه جزء من المجتمع، وأن هناك رابطة اجتماعية تدعمه وتدفعه للتفاعل بشكل إيجابي مع الآخرين. فالمصلحة الاجتماعية لا تقتصر على التعامل مع الآخرين بل تمتد لتشمل التعاون والمساهمة الفعالة في المجتمع. في هذه المحاضرة، سنتناول مفهوم المصلحة الاجتماعية، أهميتها في الصحة النفسية، كيفية تطوير الشعور بالانتماء والتعاون مع الآخرين، وتأثير غياب المصلحة الاجتماعية على سلوك الفرد.

مفهوم المصلحة الاجتماعية وأهميتها في الصحة النفسية:

تعرف المصلحة الاجتماعية بأنها قدرة الفرد على التفاعل مع المجتمع بشكل إيجابي، والاستعداد للمساهمة في رفاهيته من خلال التعاون والمشاركة. هذا المفهوم يعتبر جزءًا أساسيًا من فلسفة أدلر النفسية، حيث يرى أن الشخص السليم نفسيًا يجب أن يكون لديه شعور بالانتماء إلى المجتمع ويشارك في أنشطته.

يعتبر الشعور بالمصلحة الاجتماعية أساسًا في بناء الشخصية السوية. فالأفراد الذين يعانون من ضعف في المصلحة الاجتماعية غالبًا ما يعانون من مشاعر العزلة أو الانفصال عن الآخرين، مما ينعكس سلبًا على صحتهم النفسية والعاطفية. المصلحة الاجتماعية توفر للفرد شعورًا بالأمان الداخلي، وتساعده على الشعور بأن حياته لها قيمة من خلال تقديمها للآخرين والمجتمع ككل.

كيفية تطوير الشعور بالانتماء والتعاون مع الآخرين:

تطوير الشعور بالانتماء والتعاون مع الآخرين يتطلب العمل على تعزيز الاتصال الاجتماعي وتنمية مهارات التفاعل. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تساهم في تعزيز المصلحة الاجتماعية لدى الفرد:

• بناء العلاقات الصحية: العلاقات العميقة والمبنية على الاحترام المتبادل تعتبر من أسس الشعور بالانتماء. يمكن تطوير هذه العلاقات من خلال التواصل الفعّال، والاستماع الجيد، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية.

• الانخراط في الأنشطة الجماعية: المشاركة في الأنشطة الجماعية، سواء كانت أنشطة تطوعية أو اجتماعية أو رياضية، تساهم في تعزيز الشعور بالانتماء. عندما يساهم الفرد في تحسين بيئته أو في مساعدة الآخرين، يشعر بأنه جزء من شيء أكبر منه.

• التقدير الذاتي: الشخص الذي يشعر بتقدير الذات يكون أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين بشكل إيجابي. من خلال العمل على تعزيز ثقته بنفسه، يمكنه التفاعل بشكل أعمق مع الآخرين ويصبح أكثر استعدادًا للتعاون.

• التعليم والوعي الاجتماعي: التعرف على أهمية التعاون والمشاركة في المجتمع من خلال الندوات أو ورش العمل يمكن أن يساعد الأفراد على تطوير رؤية أوسع عن أهمية المصلحة الاجتماعية.

تأثير غياب المصلحة الاجتماعية على السلوك:

إن غياب المصلحة الاجتماعية أو ضعفها يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية على الفرد. الشخص الذي يفتقر إلى هذا الشعور قد يعاني من:

• العزلة الاجتماعية: يعتبر الانعزال عن الآخرين أحد أبرز نتائج غياب المصلحة الاجتماعية. قد يتجنب الفرد التواصل مع الناس ويشعر بالعزلة، مما ينعكس سلبًا على صحته النفسية.

• القلق والاكتئاب: ارتباط الفرد بالعالم الاجتماعي له تأثير كبير في صحة دماغه وراحته النفسية. فالعلاقات الاجتماعية تعزز من إنتاج هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين والدوبامين. وبالتالي، فإن غياب هذه الروابط يؤدي إلى مشاعر الحزن والقلق.

• السلوك العدواني: قد يعاني الأشخاص الذين يشعرون بالانفصال عن المجتمع من مشاعر الغضب والعدوانية. قد تظهر هذه المشاعر في شكل تصرفات غير متوافقة اجتماعيًا أو سلوكيات معادية تجاه الآخرين، كطريقة للتعامل مع شعور العزلة.

• ضعف الاستقرار النفسي: الشخص الذي يعاني من نقص في المصلحة الاجتماعية قد يشعر بأن حياته تفتقر إلى المعنى أو الغرض، ما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو اضطرابات الشخصية.

أمثلة على تأثير المصلحة الاجتماعية على الصحة النفسية:

• الشخص الذي يشعر بالانتماء:

شخص نشأ في بيئة أسرية ومجتمعية داعمة، يشارك بنشاط في العمل التطوعي، ويشعر بارتباطه بالمجتمع. هذا الشخص يتمتع بعلاقات صحية ويدير مشاعره بشكل إيجابي. كما أن شعوره بالانتماء يعزز من ثقته بنفسه ويساعده على مواجهة التحديات.

• الشخص الذي يفتقر إلى المصلحة الاجتماعية:

شخص يعاني من عزلة اجتماعية ولا يشارك في أي نشاطات اجتماعية أو جماعية. غالبًا ما يشعر بالوحدة والحزن، وقد يظهر هذا في سلوكيات عدوانية أو اضطرابات نفسية مثل القلق المزمن أو الاكتئاب.

الخاتمة:

في الختام، يعتبر الشعور بالانتماء والمصلحة الاجتماعية من الأسس المهمة التي تسهم في تحقيق صحة نفسية متوازنة. من خلال تعزيز هذا الشعور وتطويره، يمكن للفرد أن يعيش حياة أكثر سعادة وراحة نفسية. بينما قد يؤدي غياب المصلحة الاجتماعية إلى مشاعر العزلة والقلق، فإن بناء روابط صحية مع الآخرين والمشاركة المجتمعية يوفر شعورًا بالأمان الداخلي ويزيد من قدرة الفرد على التكيف مع تحديات الحياة. لذلك، فإن تطوير هذا المفهوم يعد أمرًا حيويًا لتحسين الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية.

المصادر:

• "ممارسة ونظرية علم النفس الفردي" لألفريد أدلر

• "ماذا تعني لك الحياة" لألفريد أدلر

• "علم النفس الفردي لألفريد أدلر" لهاينز ل. أنسباخر

• "المصلحة الاجتماعية: تحدٍّ للبشرية" لألفريد أدلر

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم