علم النفس الفردي: ترتيب الميلاد وتأثيره على الشخصية

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 


يعتبر "ترتيب الميلاد" أحد المفاهيم المثيرة في علم النفس الفردي، وقد أطلقه ألفريد أدلر كجزء من تفسيره لكيفية تشكيل شخصية الفرد. وفقًا لأدلر، لا يتأثر الشخص فقط بالعوامل الوراثية والبيئية في طفولته، بل أيضًا بترتيب ميلاده بين إخوته. يؤمن أدلر أن ترتيب الميلاد له تأثير كبير على شخصية الفرد وطريقة تفكيره وسلوكه في الحياة. في هذه المحاضرة، سنتناول نظرة أدلر لترتيب الميلاد كعامل مؤثر في الشخصية، الخصائص النفسية للطفل الأول، الأوسط، الأخير، والطفل الوحيد، وأخيرًا، نقد هذه النظرية وتقييمها.

نظرة أدلر لترتيب الميلاد كعامل مؤثر في الشخصية:

حسب أدلر، يعتقد أن ترتيب ميلاد الطفل يمكن أن يشكل رؤيته عن نفسه والعالم من حوله. حيث أن كل طفل ينشأ في بيئة متغيرة قليلاً وفقًا لترتيبه بين إخوته. على سبيل المثال، الطفل الأول يكون له دور مختلف في الأسرة عن الطفل الأوسط أو الأخير. يُحسَب هذا التباين في الدور كأحد العوامل التي تؤثر في كيفية تطور شخصية الطفل، وتوجهه نحو النجاح أو الفشل، وكيفية تعاملهم مع السلطة والمجتمع.

أدلر اعتبر أن ترتيب الميلاد يشكل للطفل نوعًا من "الهوية الأسرية" التي ينسجم معها أو يتكيف وفقًا لها. بالتالي، يكون ترتيب الميلاد عاملاً محوريًا في تحديد الطموحات والقيود النفسية التي يمكن أن يتعامل معها الشخص في حياته لاحقًا.

خصائص الطفل الأول، الأوسط، الأخير، والطفل الوحيد:

• الطفل الأول:

• غالبًا ما يتمتع الطفل الأول بمسؤوليات كبيرة في الأسرة، حيث يتوقع منه أن يكون قدوة لبقية الإخوة. عادة ما يكون الطفل الأول أكثر جدية وتفانيًا، ويشعر بالمسؤولية تجاه الآخرين.

• يكتسب الطفل الأول طابعًا قياديًا، وقد يواجه التحدي المتمثل في ضرورة التفوق على الآخرين ليظل في موقع متميز. ولهذا السبب، قد يشعر الطفل الأول أحيانًا بضغط كبير لتحقيق النجاح.

• في بعض الأحيان، قد يعاني الطفل الأول من صعوبة في التكيف مع وصول الإخوة الجدد، ويشعر بفقدان مركزه الخاص في الأسرة.

• الطفل الأوسط:

• يتميز الطفل الأوسط عادةً بقدرته على التكيف والمرونة. لأنه لا يحصل على نفس المستوى من الانتباه الذي يحصل عليه الطفل الأول ولا يُتوقع منه أن يكون الأكثر تفوقًا.

• غالبًا ما يتمتع الطفل الأوسط بروح التحدي والمنافسة، وقد يسعى لإثبات نفسه بطريقة فريدة من نوعها. في بعض الأحيان، يمكن أن يشعر بالإهمال بسبب غياب الاهتمام المباشر الذي يتمتع به الطفل الأول أو الأخير.

• غالبًا ما يصبح الطفل الأوسط شخصًا مبدعًا ومرنًا، حيث يتعلم كيفية التكيف مع المواقف المتغيرة.

• الطفل الأخير:

• يُعتبر الطفل الأخير في الأسرة غالبًا أنه أكثر تدليلًا واهتمامًا من قبل الوالدين، مما قد يمنحه شعورًا بالراحة والأمان. ولكن هذا يمكن أن يؤدي أيضًا إلى نوع من التمرد أو الرغبة في التفوق على الإخوة الأكبر.

• الطفل الأخير عادة ما يتسم بالقدرة على التحايل والتكيّف مع الظروف. في بعض الحالات، يمكن أن يظهر الطفل الأخير حسًا قويًا بالفكاهة أو يتسم بميل للبحث عن أساليب غير تقليدية لتحقيق النجاح.

• بسبب الدعم الكبير الذي يتلقاه من الوالدين، قد يفتقر الطفل الأخير أحيانًا إلى الشعور بالمسؤولية الشخصية.

• الطفل الوحيد:

• يعتقد أدلر أن الطفل الوحيد ينشأ في بيئة خاصة تمامًا عن باقي الأطفال، حيث يتلقى انتباه الوالدين بشكل كامل. وهذا يمكن أن يعزز الشعور بالثقة، ولكن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى الشعور بالعزلة أو الاعتماد الزائد على الوالدين.

• عادةً ما يكون الطفل الوحيد أكثر نضجًا من نظرائه بسبب المعاملة الخاصة التي يتلقاها، ولكنه قد يعاني من صعوبة في التكيف مع الأشخاص الآخرين في الخارج، بسبب قلة احتكاكه بالتنافس بين الإخوة.

نقد وتقييم هذه النظرية:

رغم أن فكرة ترتيب الميلاد وتأثيره على الشخصية كانت مبتكرة في زمانها، إلا أن هناك بعض الانتقادات التي توجه إليها اليوم:

• نقص الأدلة العلمية:

• بالرغم من أن هناك بعض الدراسات التي تدعم الفكرة العامة عن تأثير ترتيب الميلاد على الشخصية، إلا أن الأدلة العلمية الدقيقة والموثوقة لا تزال محدودة. ولا يعتبر العلماء أن تأثير ترتيب الميلاد وحده هو العامل الحاسم في تشكيل الشخصية، بل يشيرون إلى أن عوامل أخرى مثل التربية والبيئة الثقافية تلعب دورًا أكبر.

• التنوع الكبير بين الأفراد:

• على الرغم من أن ترتيب الميلاد قد يؤثر في بعض الحالات على الشخصية، إلا أن هناك تباينًا كبيرًا بين الأفراد داخل نفس الأسرة. لا يمكن لأي تفسير شامل أن يصف بشكل دقيق كيف سيؤثر ترتيب الميلاد على شخصية الفرد، حيث أن هناك العديد من العوامل المتداخلة التي تؤثر على كل طفل بشكل مختلف.

• التغيرات الثقافية والاجتماعية:

• تختلف تأثيرات ترتيب الميلاد من ثقافة إلى أخرى، حيث أن القيم الاجتماعية والتربوية يمكن أن تغير من طريقة تأثير ترتيب الميلاد على الشخصية. في بعض الثقافات، قد تكون هناك توقعات مختلفة حول أدوار الأطفال في الأسرة، مما يمكن أن يعدل من تأثير ترتيب الميلاد.

الخاتمة:

في الختام، يظل ترتيب الميلاد أحد المفاهيم المثيرة التي قدمها أدلر لفهم شخصية الفرد ودوافعه النفسية. ورغم أن لهذه النظرية العديد من الفوائد في تفسير بعض السلوكيات الأسرية والنفسية، إلا أن هناك بعض القيود التي تحد من تطبيقها بشكل عام. يظل تأثير البيئة الأسرية والنمط التربوي من العوامل الرئيسية التي تساهم في تشكيل شخصية الفرد، مع الأخذ في الاعتبار أن ترتيب الميلاد قد يكون فقط عاملًا مساعدًا لفهم هذه الظواهر النفسية.

المصادر:

• "ممارسة ونظرية علم النفس الفردي" لألفريد أدلر


• "ماذا تعني لك الحياة" لألفريد أدلر


• "علم النفس الفردي لألفريد أدلر" لهاينز ل. أنسباخر


• "ترتيب الولادة وتأثيره على الشخصية" لكيفن ليمان

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم